لا يكف الذكور المتجلببين بعباءات الدين عن تكريس التشويه تلو التشويه لمقاصد الأديان السامية، عبر تحويلها إلى أديان خادمة لذكوريتهم ورغباتهم ومصالحهم بإخضاع النساء لهم تحت مسمى "الفطرة" و"الشريعة" و.. من مصطلحات لم تعد تخفي حقيقة سعي هؤلاء المستميت من أجل استعباد النساء! هذا ما أكده المؤتمر المسمى بمؤتمر "اتفاقيات ومؤتمرات المرأة الدولية وأثرها على العالم الإسلامي" الذي عقد في الدوحة، ضاما جحافلا من الذكور الذين "أكدوا" على أنهم يرفضون هم، باسم الدين، أن تكون المرأة إنسانة ومواطنة على قدم المساواة معهم! بل لم يجدوا غضاضة حتى في أن يطالبوا بانسحاب الدول التي سموها "إسلامية" من هذه الاتفاقيات. والواقع أن هذا التوجه المريض تجاه تأكيد استعباد النساء ينسجم تماما مع سيل الفتاوى التي ظهرت خلال الأعوام الماضية والتي لا تعبر عن شيء قدر ما تعبر عن انحطاط مدعي الدين هؤلاء، من فتوى "إرضاع الكبير"، وحتى فتوى "العين الواحدة" التي تظهر من النقاب! مرورا فتوى هدم المسجد الحرام لبناء طوابق منفصلة للنساء الحاجات عن الرجال! وهذا المرض الذكوري المستفحل، والذي يعكس عجزهم عن تطوير حياتهم والنهوض بمجتمعاتهم، لا يستطيع أن يرى في الاتفاقيات الدولية تلك سوى "هجوما على القيم"! فيما هم يقصدون حصرا "هجوما على قيم الغابة المتمثلة بسيطرة الذكورة". وهذا بالضبط ما سعوا إليه دائما، قبل الحرب على المواطنة والمساوة بزمان طويل، منذ حربهم على الأديان نفسها عبر قتل الإنسان فيها، والتعتيم على حقائق التاريخ، وعزله عن سياقه ومعناه، بهدف إطلاق يد الذكور كما لو كانوا في قطيع من الحيوانات! وهكذا شرعوا لأنفسهم أن يتزوجوا بلا قيد ولا شرط! وشرعوا لأنفسهم أن يحرموا النساء من العمل، والحياة، والعلم، وحق الزواج، والجنسية، و.. وشرعوا لأنفسهم اغتصاب الطفلات تحت مسمى "الزواج"! كما شرعوا لأنفسهم ضرب النساء، وحبسهن، بل حتى قتلهن بذريعة "الشرف"! مؤتمر المنامة البحيرني لم يكن مؤتمرا لنقاش هوية المنطقة، ولا قيمها التي وسخها وحل الذكورة حتى باتت رائحته تزكم الأنفاس، بل كان مؤتمرا لتأكيد سلطة رجال الدين على الرجال والنساء معا، فهم يعتقدون أنهم خلفاء الله على الأرض، لهم أن يشرعوا ما يرغبون به ويلصقونه بالدين، ثم يتساءلون لماذا يأخذ العالم هذه الفكرة عن الدين؟ وهم يعلمون حق العلم أنهم هم من يروجون هذه الصورة بأفكارهم الظلامية ودعاويهم الباطلة لاحتقار الإنسان واستعباده تحت المسمياة المعهودة. وفيما خلص المؤتمر إلى "رفض كافة الاتفاقيات والمواثيق التي تخالف الشريعة الإسلامية"، فشل فشلا تاما في أن يقول ما هو موقف "الشريعة" من كافة القضايا التفصيلية التي تقولها هذه الاتفاقيات! وذلك الأمر الطبيعي الذي تم البرهنة عليه خلال عقود من الزمن، حيث عجز جميع هؤلاء مدعي النطق باسم الدين عن برهان كيف تتعارض حقوق الإنسان الأساسية التي تحاول هذه الاتفاقيات ضمانها للمرأة مثلها في ذلك مثل الرجل، مع الدين؟! والواقع أن هذا التعارض ليس إلا تعارضا بين مصالح هؤلاء، وبين الاتفاقيات! ولما كانوا يعرفون عجزهم التام عن البرهان والحجة، وهو ما أثبته هذا المؤتمر مرة أخرى، فإنهم لا يجدون أمامهم سوى محاولة الضحك على العقول باستخدام جمل عامة مثل هذه "تخالف الشريعة الإسلامية"! فيما هم موافقون موافقة تامة على هتك كل حقوق الإنسان، الفطرية والمكتسبة، باسم الشريعة ما دام هذا الهتك لا يمس مصالحهم المضمونة! قلنا سابقا، ونؤكد أنه لا يمكن أن تتعارض أية عقيدة سامية، الاسلام أو غيره، مع هذه الاتفاقيات الدولية لسبب بسيط وواضح: كلاهما يأخذان الإنسان أساسا وغاية. وحين يأتي أحد ليحول الإنسان إلى عبد لغايته الخاصة، ويلصق ذلك باسم الدين أو بأي اسم آخر، فإنه لا يفعل في الواقع سوى أن يكون هو نفسه واحد من أعداء الدين ومحاربيه الأكثر خطورة، لأنه يحاربه باسمه!