تقديم :
يختلط في أذهان العديد من الناس العمل الحزبي بالعمل الجماهيري انطلاقا من نوعية الاشخاص الممارسين لذلك العمل ، والواقع غير ذلك. فالعمل الجماهيري ليس هو العمل الحزبي،نظرا لاختلاف الاهداف، الا ان هذا الاختلاف لا ينفي امكانية وجود علاقة معينة قد تكون مبدئية، وقد تكون غير ذلك.
وهذا الخلط يحتاج الى مزيد من الدراسات والابحاث الميدانية، والتوضيحات من اجل التفريق العلمي والدقيق بين ما هو حزبي وما هو جماهيري ،عن طريق :
1) التفريق بين مفهوم الحزب ومفهوم المنظمة الجماهيرية وصولا الى التمييز الفعلي بين العمل الحزبي والعمل الجماهيري وبيان نقط الالتقاء والاختلاف.
2) التمييز بين اهداف العمل الحزبي والعمل الجماهيري.
3) الوقوف على وضعية المنظمات الجماهيرية.
4) الصراع بين الاحزاب وواقع المنظمات الجماهيرية.
5)النخبة السياسية واسلوب الاستقطاب الحزبي والجماهيري.
6) ممارسة الإقصاء على الاخر، وديمقراطية المنظمات الجماهيرية.
فالارتباط بالمنظمات الجماهيرية يكاد يكون هو عينه الارتباط بالاحزاب السياسية بسبب الخلط القائم في أذهان الجماهير الشعبية المحكومة بالوعي المقلوب الذي يقتضي العمل على جعله وعيا حقيقيا يجعل الجماهير تقف على حقيقة الأحزاب وضرورتها، ودواعي قيامها والفرق بينها بناء على الفرق بين الاهداف، وحقيقة النقابة وعلاقتها بمصلحة الشغيلة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
وازالة الخلط بين الاحزاب من جهة، والمنظمات الجماهيرية والنقابية من جهة اخرى، يعتبر ضرورة مرحلية واستراتيجية لجعل الجماهير الشعبية الكادحة ترتبط بالمنظمات الجماهيرية ، والعمل على تفعيلها لتلعب دورها في مختلف المجالات.
مفهوم الحزب ومفهوم المنظمات الجماهيرية :
وان الخلط القائم بين مفهوم الحزب، ومفهوم المنظمة الجماهيرية، النقابية او الثقافية، او الحقوقية، او التربوية يقودنا الى القول بان المنظمة الجماهيرية تساوي الحزب. والحزب يساوي المنظمة الجماهيرية، وهو قول مغلوط من الأساس ، لان الحزب يرتكز على أسس لا علاقة لها بأسس المنظمة الجماهيرية، فالحزب تنظيم سياسي يضم أناسا حصلت عندهم نفس القناعة الإيديولوجية والسياسية،وينظمون أنفسهم وفق تصور يتناسب مع تلك الإيديولوجية، ويعملون في أفق الوصول الى السلطة، او المحافظة على السلطة القائمة في حالة تواجد الحزب فيها او دعمها. أما المنظمة الجماهيرية فتتأسس من اجل تحقيق أهداف اقتصادية او اجتماعية او ثقافية تساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمجموع الشعب المغربي، او لفئات معينة منه انطلاقا من مبادئ معينة يتم الاتفاق عليها بناء على حصول القناعة به كالجماهيرية، والتقدمية وا لديمقراطية والاستقلالية . او أي مبادئ اخرى شرط ان تؤدي الى التمييز بين التنظيم الجماهيري والتنظيم الحزبي.
وحسب ما هو سائد – وهو ما ساهم في قيام هذا الخلط - فان الحزب يمكنه ان يؤسس تنظيمات جماهيرية تابعة للحزب، وهو ما يمكن تسميته بالمنظمات الحزبية ، ذات الطابع الجماهيري، والفرق بينها وبين المنظمات الجماهيرية الأخرى : ان التنظيمات الجماهيرية الحزبية هي تنظيمات غالبا ما تكون ملتزمة بالبرنامج الحزبي في الواجهة الجماهيرية. أي أنها لا تلتزم بمبادئ العمل الجماهيري. ولذلك فهي تكون منحسرة ،ومتقوقعة على نفسها، ولا تستطيع بحكم طبيعتها جذب الجماهير المعينة إليها. لان تلك الجماهيري لا تستطيع أبدا إبداء الرأي فيها, بقدر ما تدعوا الى تنفيذ القرارات الموجهة حزبيا. في الوقت الذي نجد فيه المنظمات الجماهيرية الأخرى غير خاضعة لحزب معين، ويمكن ان تخضع لمبادئ معينة تستقطب عموم الجماهير الشعبية إليها.وتسعى الى الدفاع عن مطالبهم، والعمل على تحسن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتبقى علاقتها بالتنظيمات الحزبية علاقة ديمقراطية.
وعلى أساس التمييز بين المنظمات الحزبية ذات البعد الجماهيري، والمنظمات الجماهيرية الصرفة، نستطيع ان نقول : ان المنظمات الحزبية ذات البعد الجماهيري هي منظمات تسعى الى تحقيق أهداف حزبية في المنظمات الجماهيرية لتحقيق إشعاع حزبي معين في تلك المجالات. أما المنظمات الجماهيرية، فتسعى إلى تحقيق أهداف جماهيرية. تساهم الجماهير ، لا الأحزاب، في تحديدها ، وتناضل، عن طريق منظمتها الجماهيرية، من اجل تحقيقها، سواء تعلق الأمر بالمجال الثقافي او المجال التربوي او المجال الحقوقي، ولذلك فان أي سعي الى احتواء المنظمات الجماهيرية من قبل أحزاب معينة يعتبر ممارسة تحريفية تؤدي بالضرورة الى إضعاف المنظمات الجماهيرية بسبب ما يترتب عن ذلك من نزاعات بين التوجهات المختلفة لمقاومة عملية الاحتواء. الأمر الذي ينعكس سلبا على نضالية المنظمات الجماهيرية.وعلى علاقتها بأوسع الشرائح الاجتماعية المعنية.
الأهداف الحزبية والأهداف الجماهيرية :
وإن الأهداف الحزبية التي تسعى مختلف الأحزاب الى تحقيقها في الواقع، ليست هي الأهداف التي تسعى المنظمات الجماهيرية القائمة على أساس مبادئ العمل الجماهيري. فالأحزاب السياسية توظف مجمل ما في الواقع من أجل :
1)تعبئة جميع طبقات المجتمع للالتفاف وراء وحول حزب او أحزاب معينة.
2)نشر إيديولوجية حزب او أحزاب سياسية معينة في صفوف الطبقات المعنية بتلك الإيديولوجية.
3) إقناع الجماهير بصفة عامة، والجماهير المعنية بصفة خاصة ببرنامج حزب او أحزاب سياسية معينة.
4) قيادة الصراع الإيديولوجي والسياسي في تفاعل مع الصراع الاجتماعي الذي تقوده المنظمات القائمة من اجل الوصول الى السلطة او المحافظة عليها.
5) بناء آليات المحافظة على استمرار الحزب او الأحزاب في السلطة في حالة الوصول إليها.
وهذه الأهداف لا يمكن ان تتحقق إلا في إطار امتلاك وعي أيديولوجي وسياسي معين يساعد على امتلاك تحقيق أهداف المنظمات الجماهيرية المتمثلة في :
1) جعل الجماهير بصفة عامة والجماهير المعنية بصفة خاصة تمتلك وعيا حقوقيا وفق ما هو مدون في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدنية والسياسية.
2) جعلها تمتلك ثقافتها الحقيقية لتوظفها في مناهضة الثقافة المناقضة التي تعمل الجهات المتحكمة في المؤسسات الثقافية على إشاعتها. لان الثقافة الحقيقية هي ثقافة الحقيقة التي تجعل الجماهير المعنية تدرك دور الأفكار والقيم المستمدة من التراث الثقافي، ومن الواقع في جعل الجماهير تحافظ على هويتها الثقافية التي تنير طريقها في اتجاه إنتاج القيم الإنسانية النبيلة كوسيلة لمناهضة القيم السائدة في المجتمع.
3) جعلها تمتلك وعيا تربويا يؤهلها لاعداد الأجيال القادمة لتحمل مسؤولية العمل عل صياغة تصور تربوي متجدد ومواكب لكل أشكال التطور الاقتصادي والاجتماعي والتفافي والسياسي في إطار النظام السياسي القائم.
4) جعلها تدرك مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من اجل العمل على تحسين أوضاعها المادية والمعنوية عن طريق ممارسة الضغط على المسؤولين عن تردي الأوضاع المختلفة.
5) جعلها تدرك دور التنظيم في قيادة نضالاتها المطلبية، وتنتظم لهذه الغاية.
والعلاقة القائمة بين الأهداف الحزبية والأهداف الجماهيرية هي علاقة الكل بالجزء، التي قد تكون علاقة تنافر او تجاذب.
فإذا كانت الأهداف تسعى الى تكريس ما هو سائد في الواقع، وجدت نفسها في تعارض مطلق مع الأهداف التي تسعى المنظمات الجماهيرية الى تحقيقها.
أما إذا كانت تسعى الى تغيير الواقع السياسي القائم بواقع نقيض فإن علاقتها بالأهداف الجماهيرية تكون علاقة تجاذب وبالتالي فان أهداف العمل الحزبي المعبرة عن الرغبة في تغيير حقيقي تدعم حركة المنظمات الجماهيرية لتحقيق أهدافها المتعلقة بتحسين أوضاع الجماهير المادية والمعنوية. ويرتفع هذا الدعم الى درجة التداخل والتوحد في مراحل معينة،وهذا التداخل والتوحد هو الذي قد يقود المتتبع الى القول بحزبية المنظمات الجماهيرية، وهو قول غير صحيح، لان الدعم المتبادل بين السعي الى تحقيق أهداف حزبية ، والسعي الى تحقيق الأهداف الجماهيرية لا يمكن ان يكون إلا في إطار جبهة وطنية للنضال من اجل الديمقراطية في مجتمع تنعدم فيه الديمقراطية، وما قد نراه مما يظهر انه تداخل او توحد بين النضال من اجل تحقيق أهداف حزبية، واهداف جماهيرية معينة إنما هو توظيف غير شريف للمنظمات الجماهيرية، من اجل تحقيق أغراض انتخابية حزبية ضيقة لا علاقة لها بالرغبة في تحسين أوضاع الجماهير، ولا بالرغبة في تغيير واقعها، وهو ما يوهم الإنسان العادي باعتبار المنظمات الجماهيرية منظمات حزبية ، وهو اعتبار مغلوط من أساسه، خاصة وان القائمين بذلك يعتبرونه داخلا في إطار العلاقة الجدلية القائمة بين العمل السياسي والعمل الجماهيري وهو اعتبار مغلوط أيضا لان العلاقة بين العمل السياسي والعمل الجماهيري، لا يمكن ان تقوم إلا على المستوى العام من خلال برامج المنظمات الجماهيرية التي تدرج في شق من مطالبها مطالب سياسية معينة ذات بعد اجتماعي واقتصادي وثقافي تستهدف مجموع أفراد المجتمع لجعل مجموع الجماهير تلتف حول المنظمات الجماهيرية وتدعمها.
ولذلك يمكن القول : ان العمل الجماهيري الصحيح هو العمل المتحرر من اسر الحزبية الضيقة، والمنفتح على أوسع الجماهير. والعامل على تحسين أوضاعها المادية والمعنوية، والتفاعل مع مختلف المكونات التي تلتقي معه في نقط معينة، والمتعامل مع كل التنظيمات المتقاربة على مستوى الأهداف والبرامج والمبادئ.
وضعية الاحزاب السياسية :
والحديث عن الأهداف الحزبية يقودنا مباشرة الى الحديث عن الأحزاب السياسية المغربية من اجل الوقوف على أوضاعها الداخلية، ووضعية العلاقات فيما بينها. ومع المنظمات الجماهيرية،وانعكاس كل ذلك على واقع المنظمات الجماهيرية المختلفة التي أصبحت تستميت من اجل البقاء بدل ان تستميت في النضال.
فالحديث عن الأحزاب هنا سيقتصر :
أولا : على الأحزاب التي تناضل من اجل الديمقراطية. او يفترض أنها كذلك ، حتى لا نقحم الأحزاب الإدارية التي سميت أحزابا ظلما.
ثانيا : عن واقع هذه الأحزاب على المستوى الداخلي.
ثالثا : عن العلاقة بين الأحزاب الديمقراطية.
رابعا : عن علاقتها بالمنظمات الجماهيرية.
خامسا : عن السعي الى إمكانية التنسيق ، أو بناء جبهة للنضال من اجل تحقيق أهداف مشتركة ترفع الحيف
عن المنظمات الجماهيرية وعن الجماهير الشعبية الكادحة.
فالأحزاب التي تناضل من اجل الديمقراطية او التي يفترض فيها أنها كذلك هي أحزاب تكونت عبر مراحل من الصراع ضد الاستعمار وضد أذنابه في مرحلة الاستقلال ، وضد الطبقة الحاكمة التي تمارس كافة أشكال الظلم والقهر والاستبداد على الطبقات الشعبية الكادحة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة. والفلاحون الفقراء والمعدمون وسائر الكادحين في مختلف القطاعات الاجتماعية.
والصراع الذي قام في عهد الاستعمار وفي مرحلة الاستقلال هو الذي انتج لنا مجموعة من التراكمات النضالية التي تعتبر مرجعية أساسية للأحزاب الديمقراطية لاكتساب الشرعية المرجوة لكل حزب من الأحزاب المشار إليها حتى وان كان ظهوره كتسمية حديثا مادام متأصلا من الحركة الوطنية او حركة التحرير الشعبية. او ما يمكن تسميته بالحركة الديمقراطية او الحركة اليسارية ، وهكذا ....
وبناء على هذا الانتماء التاريخي الى التجارب النضالية المختلفة المشارب يمكن القول بان الحركة الديمقراطية هي المؤطرة للأحزاب الديمقراطية التي تمتلك وحدها الشرعية التاريخية والنضالية كما تمتلك وحدها حق التنسيق من اجل بناء إطار مشترك للعمل من اجل تحقيق برنامج نضالي مشترك. وما سوى هذه الأحزاب هو مجرد صنيعة للطبقة الحاكمة واداة من ادوات ممارسة الاستبداد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي .
الا ان هذه الأحزاب التي يقترض فيها كونها ديمقراطية أو تناضل من اجل الديمقراطية في المجتمع الذي تنتمي إليه مستفيدة في ذلك من التجارب التاريخية الوطنية، وتجارب الأحزاب الديمقراطية قوميا وعالميا تعاني داخليا من عدة مشاكل تعرقل مسيرتها في اتجاه تحقيق مجتمع ديمقراطي متحرر وعادل بسبب :
1) التركيبة الاجتماعية لهذه الأحزاب التي ينتمي أعضاؤها الى طبقات اجتماعية تتناقض مصالحها الطبقية، وهو ما ينعكس سلبا على برامجها، وعلى العلاقة بين أعضائها وعلى العلاقة فيما بينها ، وبالتالي فالطبقة المتمكنة من القيادة الوطنية او الإقليمية ، او المحلية هي التي توجه عمل الحزب بطريقة تنعدم فيها الديمقراطية، مما يجعل العلاقة القائمة بين أعضائها استبدادية كامتداد للاستبداد المخزني الممارس من الطبقة الحاكمة.
2) قيام علاقة تبعية بين الطبقة الحاكمة وبين القيادات الحزبية المستبدة، تلك التبعية التي تعتبر امتدادا لتبعية الطبقة الحاكمة للمؤسسات المالية الدولية، وهو ما يجعل قيام هذه الأحزاب ، وتطورها واستمرارها رهينا بإرادة الطبقة الحاكمة ، وبإرادة المؤسسات المالية الدولية ، و هو الأمر الدي يمكن ان نفسر به : لماذا يقدم الدعم بسخاء لهذه الأحزاب ولجرائدها؟
3) غياب الديمقراطية داخل هذه الأحزاب التي أصبحت مجرد تعبير عن تكريس ديمقراطية الواجهة. أما الديمقراطية الداخلية فان وجودها غير قائم كما تدل على ذلك تشكيلة هذه الأحزاب التي تتغير باستمرار اعتمادا على الممارسة الانتهازية التي تطبع علاقة المنتمين إليها بقياداتهم المحلية والوطنية. وقلما نجد الحرص على الانتماء المرتكز على القناعة بالإيديولوجية والتنظيم والموقف السياسي.
فوضعية كهذه تقف عند حدود أحادية الرأي المطبوعة بالوثوقية التي يترتب عنها ممارسة الإقصاء ضد الآراء المخالفة داخل كل حزب على حدة تكريسا لممارسة تبعية الأعضاء الحزبيين لقياداتهم التابعة بدورها للطبقة الحاكمة المرتبطة أصلا بمراكز الهيمنة الإمبريالية العالمية التي أصبحت تفرض شروطها على كل شيء بما في ذلك الأحزاب المستفيدة من الوضع التبعي.
وغياب الديمقراطية في النسيج التنظيمي لكل حزب على حدة سيقود الى تسهيل مهمة التنسيق بين القيادات. ذلك التنسيق – ان حصل كما في الكتلة الديمقراطية – الذي تكون فيه الكلمة الأولى للحزب الأكثر قربا والأكثر ارتباطا، والأكثر تبعية للطبقة الحاكمة، والأكثر استعدادا لتنفيذ التعليمات . وبذلك يكون غياب الديمقراطية من سمات الأحزاب المسماة بالأحزاب الديمقراطية. وهو ما يمكن ان نفسر به :لماذا تقبل هذه الأحزاب الانخراط في ممارسة التزوير في المحطات الانتخابية المختلفة.
وقبول كهذا يقودنا الى القول بان هذه الأحزاب ليست ديمقراطية، ولا يمكن ان تناضل من اجل الديمقراطية وما الشعارات الديموقراطية التي تستمر في رفعها الا دليل على عدم ديموقراطيتها , لأن الديموقراطية تقتضي إخلاص الأحزاب للجماهير الشعبية المعنية بالنضال الديمقراطي حتى ولو أدى ذلك الى التضحية بمجموعة من المصالح الحزبية كالخروج من المؤسسات المزورة ، والمطالبة بحلها ، وإعادة انتخابها وفق شروط معينة تقلب ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبة الكادحة.
وعلى أساس منطق الاستبداد الحزبي الداخلي، وفي العلاقة بين الأحزاب كامتداد للاستبداد المخزني. تلجأ الأحزاب الديمقراطية الى تكريس نفس الممارسة في العلاقة مع المنظمات الجماهيرية فبدل ان تحترم هذه المنظمات بمبادئها وبرامجها، تحاول الأحزاب ان تحولها الى منظمات تابعة لها .. ولا فرق في ذلك بين التنظيمات الحزبية والتنظيمات الجماهيرية.
وهذه الممارسة التي استفحلت مع مجيء حكومة التناوب المخزني حولت التنظيمات الجماهيرية الى إطارات تعج بالعناصر المهاجرة من الأحزاب الإدارية الى الأحزاب الديمقراطية التي وجهتها للعمل في الإطارات الجماهيرية،ولكن بتجربة مختلفة حولت المنظمات الجماهيرية الى إطارات حزبية بامتياز الأمر الذي ينعكس سلبا على مسار العمل الجماهيري الذي تحول الى عمل حزبي يؤدي بالضرورة الى تقليص فعاليات المنظمات الجماهيرية وهو ما أصبحت تسعى إليه الأحزاب الديمقراطية بعد ان اصبح معظمها متحملا للمسؤولية في حكومة التناوب المخزني.
وبهذه العلاقة ذات الطابع الاستبدادي داخل كل حزب وبين الأحزاب , وفي العلاقة مع المنظمات الجماهيرية تصبح إمكانية بناء جبهة للنضال من اجل الديموقراطية عسيرة الولادة بسبب الشروط الموضوعية الجديدة التي اختلطت فيها جميع الأوراق التي اصبح ترتيبها من جديد أمرا صعب المنال . وهو ما يعطي الضوء الأخضر لجهات اخرى لكي تكتسح الساحة بمهاجمتها لكل ما يمكن ان تقوم به الأحزاب الديموقراطية من خلال موقعها في المؤسسة الحكومية كالهجوم على مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية , والهجوم على مشروع مؤسسة الدولة ككل عن طريق توظيف الجوانب المظلمة من التراث المنسوب الى الإسلام . فتظهر الحاجة الملحة الى بناء جبهة للنضال من اجل الديموقراطية , ولكن بشرط ان لا تخوض في المحرمات التي ولجتها الأحزاب الديموقراطية , وهذه الحاجة هي التي قادت الى بناء الجبهة من اجل حقوق المرأة في أفق الضغط من اجل تبني مشروع الخطة الوطنية التي أصبحت مجالا للصراع الديموقراطي الذي يتحول في كثير من الأحيان الى صراع تناحري كما حصل في عدة جهات من المغرب . ولكنه الصراع الذي يجري بين أطراف يلتمس كل واحد منها ود المؤسسة المخزنية , وهو ما يحول دون قيام صراع ديموقراطي حقيقي يستهدف طرح الإشكاليات الكبرى لتوعية الجماهير المغربية التي شوهت محطات التزوير قدرتها على امتلاك وعي حقيقي .
ان بناء الجبهة يقتضي اعتماد الأحزاب على الجماهير الشعبية باعتبارها معادلة أساسية في النضال الديموقراطي بدل ان تبقى مجرد احتياطي يتم اللجوء إليه لتغليب كفة هذه الجهة أو تلك وصولا الى الحكومة لممارسة نفس السياسة , وهو ما سوف يحول دون تحقيق ديموقراطية حقيقة على المدى القريب والبعيد .
وخلاصة القول أن وضعية الأحزاب السياسية المغربية الموسومة بالأحزاب الديموقراطية , مترهلة مما يجعلها غير قادرة على قيادة الجماهير المقموعة والمحرومة من أحقيتها في التمتع بالديموقراطية ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي , والثقافي والسياسي كما هي محرومة من اختيار ممثليها الحقيقيين في مختلف المؤسسات المحلية والجهوية , والوطنية من اجل الدفاع عن مصالحها وبناء دولتها الديموقراطية .
ولذلك فوضعيتها المترهلة تقتضي إعادة بنائها إيديولوجيا وتنظيميا من اجل الوصول الى جعلها قادرة على الفعل في اتجاه الجماهير الشعبية الكادحة . وقيادتها لغرض قيام ديموقراطية حقيقية من الشعب و الى الشعب في إطار جبهة وطنية للنضال من اجل الديموقراطية .
وضعية المنظمات الجماهيرية :
وما تعرفه الأحزاب الموسومة بالديموقراطية من ترهل إيديولوجي وسياسي وتنظيمي يؤدي الى ترهل التصورات المضطربة والمتناقضة التي تنبني عليها التنظيمات الجماهيرية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , مما يجعل تلك التنظيمات تعاني من :
1) التوجيه الحزبي الضيق الذي يقودها الى التحول تدريجيا في اتجاه بلورتها كتنظيمات حزبية صرفة .
2) الصراع اللاديموقراطي بين التوجهات الحزبية المختلفة والمتناقضة أحيانا .
3) تمكن بعض الأحزاب من السيطرة على أجهزة المنظمات الجماهيرية من اجل تحويلها الى مجرد تنظيمات حزبية .
4) ممارسة الإقصاء على التوجهات الحزبية الأخرى التي تجد نفسها غير قادرة على الانتماء الى تلك المنظمات.
5) بلورة مطالب وبرامج المنظمات الجماهيرية لتخدم توجهات حزبية معينة من موقع تحكمها في أجهزة تلك المنظمات.
6) تهميش المطالب الجماهيرية ، وتحويلها الى مطالب ميؤوس من تحقيقها بفعل التوجه الحزبي الضيق.
7) تحويل التنظيمات الجماهيرية من تنظيمات مبدئية قائمة على أساس مبادئ يتم الاتفاق عليها للمحافظة على ديمقراطيتها ، وجماهيريتها واستقلاليتها، الى تنظيمات تعتمد على الرغبة الحزبية في بناء تلك التنظيمات لتحقيق أهداف حزبية معينة.
8)عجز التنظيمات الجماهيرية على القيام بقراءة موضوعية للواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي بفعل التوجيه الحزبي.
ولذلك فالتنظيمات الجماهيرية تبقى بعيدة عن ان تكون تنظيمات جماهيرية فعلا :
1) لأنها ليست مستقلة عن التنظيمات الحزبية مما يجعلها تابعة لتلك التنظيمات.
2) لأنها لا تراعي استقطاب الجماهير إليها من منطلق الاهتمام بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لتلك الجماهير.
3)لان الديموقراطية تنعدم في إطاراتها مما يجعلها مجرد استنساخ لما يجري في الأحزاب السياسية.
4) لأنها لا تسعى الى تغيير الواقع الجماهيري الى الأحسن مما يجعل وجودها غير مبرر في الأصل.
5)لان معظمها يسعى الى تكريس الواقع او التراجع عما تحقق لصالح الجماهير الشعبية الكادحة.
ان التنظيمات الجماهيرية عندما لا تحترم فيها المبادئ الأربعة الجماهيرية والتقدمية والديمقراطية والاستقلالية تبقى تنظيمات عاجزة عن الارتباط بالجماهير المعنية من جهة، وعن التاتير في تلك الجماهير من جهة اخرى سعيا الى إشعارها بأهمية التنظيم في الإطارات الجماهيرية. وبذلك تبقى عاجزة عن أداء دورها خدمة للحزبية الضيقة،وللطبقة الحاكمة، وللتوجهات الأكثر رجعية في المجتمع الذي يعاني من كل مظاهر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي.
فالرجعية المتخلفة تصبح بفعل العقلية المتخلفة للأحزاب الموصوفة بالديمقراطية المنعكسة على التنظيمات الجماهيرية متحكمة في الواقع، وممسكة به، وموجهة له ، وعاملة على استغلال كل المناسبات المتغلغلة في نسيجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي, والعمل على توجيهه لخدمة الأهداف الرجعية الصرفة وببرامج وشعارات حزبية لجعل الجماهير تنساق وراءها، وتهرول في اتجاهها حتى تصبح سيدة الموقف كما يتجلى ذلك في العديد من المواقع الاجتماعية على المستوى الوطني.
ولذلك فإعادة النظر في التنظيمات الجماهيرية يقتضي إعادة النظر في علاقة الأحزاب بتلك التنظيمات، وفي احترام المبادئ التي تقوم عليها ، وفي صياغة برامجها،واحترام تلك البرامج وتجنب عرقلة تحقيق أهداف المنظمات الجماهيرية حتى وان تعارضت مع الأهداف الحزبية الضيقة والعمل على تقويتها، وتجنب العمل على أضعافها تنظيميا ، وبرنامجا وجماهيريا في أفق إيجاد تنظيمات جماهيرية قوية قادرة على تنظيم الجماهير العريضة والفعل فيها وقيادتها لانتزاع حقوقها لاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وهو ما أصبحنا نفتقر إليه في الوضع الراهن اكثر من أي وقت , نظرا للتحولات العميقة التي يعرفها الواقع والتي يمكن ان تحسم لصالح أي احتمال إلا أن تحسم لصالح أي احتمال الا ان تحسم لصالح الجماهير بسبب الوضع المترهل للتنظيمات الجماهيرية.
الصراع بين الأحزاب والتيارات وواقع المنظمات الجماهيرية:
وما تفرزه الساحة السياسية في شروط غير ديمقراطية يدخل الأحزاب في صراع سياسي يتميز بالتهافت على أبواب المؤسسة المخزنية، سواء تعلق الأمر بالأحزاب الإدارية التي عملت المؤسسة المخزنية على تشكيلها. او الأحزاب المعروفة بالأحزاب الديمقراطية والتي رأينا في الفقرات السابقة أنها ليست ديمقراطية لا مع أعضائها ولا فيما بينها .. ولا مع المجتمع، فهي باسم الديمقراطية تمارس السبق من اجل الوصول الى المؤسسات المزورة لا اعتمادا على إرادة الجماهير ، بل تزويرا لتلك الإرادة. وهو ما قامت وتقوم به أجهزة المؤسسة المخزنية باستمرار.ومن اجل ان تكون اليد الطولي لأي حزب في مختلف المؤسسات المخزنية باستمرار. و في مختلف المؤسسات المسماة منتخبة،وخاصة في مؤسسة البرلمان وصولا الى التشكيلة الحكومية من اجل تنفيذ التوجيهات المملاة من المؤسسات المالية الدولية والشركات المتعددة الجنسية.
وهذا الصراع اللاديمقراطي الذي يجري بين الأحزاب الديمقراطية من اجل الوصول الى المؤسسات اللاديمقراطية واللاشعبية لا يدخل في إطار الصراع الفكري الإيديولوجي، ولا حتى السياسي كما يتجلى ذلك في الصراع الديمقراطي بممارسة أسلوب الإقناع من اجل حصول الاقتناع بالأفكار والإيديولوجية، والموقف السياسي بل هو صراع متنوع آخر ظاهره التقريع ، والتجريح غير المبرر او اللامبالاة، وباطنه ممارسة الكولسة مع أجهزة المؤسسة المخزنية وصولا الى ما اصطلح على تسميته بالتوافق والتراضي وتوقيع تصريحات سياسية، ونقابية مشتركة تمهيدا لمجيء حكومة التناوب التوافقي السابقة التي اختلطت فيها الأوراق. وامتزجت فيها الأحزاب التاريخية بالأحزاب الإدارية والرجعية وتسببت في خلق جيش من الوصولين والانتهازيين الجدد من تجار الحزبية. وبدأت المناوشات تطفو على السطح لتعود من جديد نارا هامدة تحت الرماد ،وتفاحشت المزايدات الكلامية، واصبح المواطن العادي لا يميز بين الحزب الإداري والتاريخي، ولا يبحث عن الإيديولوجية والموقف السياسي بقدرما يسجن نفسه تحت ركام ضياع مصلحته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باحثا عن حقوقه التي ضيعتها نفس الأحزاب التي كانت تدعي النضال من اجلها.
وهذه الوضعية التي أصبحت تعرفها الأحزاب التاريخية او التي لها علاقة بالأحزاب التاريخية تنعكس سلبا على وضعية المنظمات الجماهيرية في مجموعة من المستويات :
1) مستوى الممارسة الديمقراطية حيث نجد ان التنظيمات الجماهيرية لم تعد تعرف ممارسة ديمقراطية حقيقية سواء تعلق الأمر بانتخاب الأجهزة، او اتخاذ القرارات او تنفيذها. فالذي يحصل ان الحزب المسيطر في نقابة معينة يجعلها إطارا لتصريف القرارات الحزبية في المجال الجماهيري، ولا عبرة – بعد ذلك – لا للأجهزة ، ولا للمنخرطين فهم مجرد تبع لما يريده الحزب.
2) مستوى تفاعل المنظمات الجماهيرية مع الجماهير الشعبية المعنية بها الذي لم يعد صحيحا ، فهو وبفعل التوجيه الحزبي المسيطر في المنظمة الجماهيرية، يريد من الجماهير ان تلعب دورها في الإصغاء لما يملى على المنظمة الجماهيرية من الحزب المسيطر، وتنفيذ القرارات تماما كما تفعل المؤسسة المخزنية مع الجماهير عندما تغيب إرادتها في تقرير مصيرها بالوسائل المشروعة، أما ان تعبر الجماهير عن رأيها في مختلف القضايا المطروحة على المنظمات الجماهيرية وتقرر بإرادتها الحرة في تنظيماتها الجماهيرية ما يجب عمله ،فهذا امر غير وارد.
3) مستوى مساهمة المنظمات الجماهيرية في رفع وعي المواطنين الذي تم تحريفه، فبدل أن تعمل المنظمات الجماهيرية في نشر الوعي الحقيقي بين المنخرطين وعموم الجماهير الكادحة أصبحت وبفعل التوجيه الحزبي تنشر وعيا زائفا بين الجماهير مما ساهم في عملية التضليل التي تمارسها الأحزاب المسيطرة على معظم النقابات فيتيه الناس ويفقدون ثقتهم في المنظمات الجماهيرية وينسحبون الى خانة اللاانتماء الى المنظمات الجماهيرية ، إضافة الى اللاانتماء الى الأحزاب السياسية التي تتسع باستمرار.
4) مستوى المبادرة الفردية والجماعية في إطار المنظمات الجماهيرية لان أي مبادرة رهينة برغبة الحزب المسيطر على المنظمات ، أية منظمات ، لذلك نجد انه في مراحل معينة يتراجع العمل الجماهيري الى الخلف ويبقى العمل الحزبي في الصادرة، وفي مراحل اخرى يتصدر العمل الجماهيري ، وتظهر المبادرات وتنفذ البرامج الى حد التناقض والتضارب مما يؤدي الى حالة من الإرباك التي تطال الجماهير المعنية بالنضال الجماهيري، وهو ما يمكن ان نفسر به تحكم الأحزاب المتصارعة في المنظمات الجماهيرية التي تصبح اداة ووسيلة لممارسة ذلك الصراع. فالمنظمات الجماهيرية هي إطارات تفقد القدرة على المبادرة نظرا لتبعيتها، او لوقوعها تحت تاثير أحزاب معينة بفعل السيطرة.
5) مستوى البرمجة والتخطيط، فقلما نجد منظمة تتحرك بناء على برنامج يساهم أعضاؤها في وضعه، و يخططون بأنفسهم لتنفيذه. فمعظم المنظمات تدخل الى محطة انتظار ما تبرمجه الأحزاب وما يريده مناضلو تلك الأحزاب سعيا الى تفعيل البرامج والتوجهات الحزبية بواسطة المنظمات الجماهيرية التي تكون تابعة لها او تسيطر فيها تلك الأحزاب.
وبذلك يمكن القول بان المنظمات الجماهيرية في وضعيتها القائمة تعكس واقع غياب الديمقراطية في المجتمع ككل كما تعكس تجسيد ممارسة الاستبداد، كامتداد للاستبداد المخزني بواسطة الأحزاب السياسية التي عليها ان تتحكم في المنظمات الجماهيرية حتى لا تمارس ما يحرج المؤسسة المخزنية.
النخبة السياسية واسلوب الاستقطاب الحزبي والجماهيري:
والذي يتحمل مسؤولية ما يجري داخل الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية نابع من طبيعة النخبة السياسية المخزنية والتي تعمل على مخزنة أحزابها،و التنظيمات الجماهيرية التي يمتد إليها عمل تلك الأحزاب، خاصة التناوب التوافقي / المخزني. ولذلك فهذه النخبة لم تعد تعتمد النضال الديمقراطي الصحيح من خلال الأحزاب السياسية وبواسطتها،وبموازاة ما تقوم به المنظمات الجماهيرية المستقلة كوسيلة للاستقطاب السياسية ثم الحزبي ، بقدر ما أصبحت توظف وصولها الى المؤسسات المخزنية، كدواليب الحكومة، والمؤسسات المزورة، والوصول الى المناصب العليا لخلق جيش من المريدين الذي يتم توجيههم لخلق إطارات جماهيرية او المساهمة في السيطرة عليها.
وأسلوب هذه طبيعته لا يمكن ان يفرز إلا مدعين للنضال الديمقراطي في الوقت الذي تختفي فيه الديمقراطية من ممارستهم اليومية الحزبية، والجماهيرية، بسبب غياب الاقتناع بالإيديولوجية وبالموقف السياسي ، كما تنقصهم الممارسة الجماهيرية القائمة على تصور صحيح وهادف.
وعلى هذا الأساس : فمثل هؤلاء لا يمكن ان يكونوا إلا ذيليين لتنظيم معين، من خلال ذيليتهم لأشخاص معينين في ذلك التنظيم يحتلون موقعا معينا في إدارة معينة، او في وزارة معينة او في الحكومة، او عضوا برلمانيا او جماعيا بمسؤولية أساسية في الجماعة يتمتع بعلاقات متميزة مع المسؤولين في إحدى الوزارات او في الوزارة الوصية.ومعلوم ان الذيلين تقوم ممارستهم على تبعيتهم للغير، هذا الغير هو من استقطبهم لتقي تعليماتهم التي تعتبر امتدادا لتعليمات المؤسسات المخزنية التابعة بدورها للمؤسسات الإمبريالية الدولية التي أصبحت تتحكم في الأحزاب والمنظمات من خلال المؤسسة المخزنية ،وبذلك تصبح التبعية أسلوبا إستقطابيا بامتياز لضمان التواجد في المنظمات الجماهيرية والأحزاب السياسية واحتلال مواقع مهمة فيها، ومن يرفض تلك التبعية يمارس عليه التهميش بكل أشكاله، ليجد نفسه خارج التنظيم الجماهيري الذي ينتمي إليه كبداية لخروجه من الحزب.
والسبب في سيادة هذا النوع من الاستقطاب هو القبول بالسير على نهج المؤسسة المخزنية في مختلف المحطات التي تسمى انتخابية، أي القبول بالتواجد في المؤسسات الناتجة عن تزوير الإرادة الشعبية. فكلما أعلن عن قرب انتخابات معينة يكثر المتوافدون على الأحزاب للمشاركة فيها فيستغل ذلك لملأ الدوائر الانتخابية بالمرشحين باسم الأحزاب الذين قد يصبحون أعضاء في المجالس القروية او البلدية او في البرلمان باسم هذا الحزب او ذاك. وبما ان هؤلاء لا يعرفون عن الأحزاب إلا أسماءها، فانهم مستعدون لكل أشكال التبعية لمن قبل ترشيحهم باسم حزب معين، ان لم يرتبط هؤلاء بالمؤسسة المخزنية مباشرة لتصبح تبعية مزدوجة تحوله من جهة الى متلق للتعليمات من خلال قناتين مزدوجتين ومن جهة اخرى الى منفذ لتعليمات المؤسسة المخزنية في الحزب وفي المنظمة الجماهيرية بحكم الانتماء إليهما من اجل مخزنتهما،والمساعدة على جعلهما مجرد واجهة لتكريس السياسة المخزنية باسم التعددية، وباسم الديمقراطية.
والذي يساعد على اتباع هذا الأسلوب من الاستقطاب هو الدعم/ الرشوة التي تتلقاها الأحزاب وبعض المنظمات الجماهيرية في كل محطة انتخابية، والتي تزداد بقدرما يرتفع عدد المرشحين والفائزين مما تعتبره المؤسسة المخزنية تمثيلا للشعب المغربي بهذه المناسبة او تلك. وإذا استحضرنا ان تلك الانتخابات تكون مزورة وان المتوجهين الى مختلف الأحزاب للترشيح باسمها، يفعلون ذلك بتوجيه من الأجهزة المخزنية او تحث تأثير الدعاية المخزنية لهذا الحزب او ذاك، وان الذين يصبحون أعضاء في مختلف المؤسسات المزورة تزور النتائج لصالحهم. سنصل الى نتيجة : ان ما تكون عليه الأحزاب يحصل بإرادة مخزنية، وليس بإرادة حزبية بما في ذلك الأسلوب الذي اصبح متبعا في استقطاب الحزبيين الى مختلف التنظيمات الحزبية والجماهيرية. فالنخبة السياسية الممخزنة لا يمكن ان تستقطب الى أحزابها إلا أناسا ممخزنين. وما دام الأمر كذلك فان استمرار نمو الأحزاب الديمقراطية والوطنية رهين بمخزنتها حتى تستمر ممارسة لديمقراطية المخزن التي أصبحت تعرف بديمقراطية الواجهة.
ممارسة الاقصاء على الآخر وديمقراطية المنظمات الجماهيرية:
وكنتيجة لأسلوب النخبة السياسية الممخزنة في الاستقطاب الحزبي والجماهيري والذي يخدم بالدرجة الأولى المؤسسة المخزنية نجد ان هذه النخبة لا تنجز ممارسة تساعد على إتاحة الفرصة للعناصر المتشبعة بالوعي الحقيقي للارتباط بالمنظمات الجماهيرية بالإضافة الى مخزنة أحزابها السياسية.
والإقصاء معناه النفي من طرف واحد لأجل المحافظة على سلامة الإطار من " التلوث " بالعناصر التي تحمل وعيا غيرممخزن يمكن ان يوجه العمل الحزبي والعمل الجماهيري نحو غاية لا يستهدفها الوعي الممخزن.
وهذا النوع من الإقصاء يتخد مجموعة من المستويات :
1) فهو إقصاء إيديولوجي نظرا لتمسك النخبة الممخزنة بشكل او بآخر بإيديولوجية إقطاعية او برجوازية او اجتماعية ديمقراطية ، او بإيديولوجية توفيقية / تلفيقية، تجمع كل هذا الخليط من الإيديولوجيات، كل ذلك في مقابل إيديولوجية الحقيقية التي ليست إلا الاشتراكية العلمية التي تعتبر إيديولوجية الكادحين بامتياز.
2) وهو إقصاء فكري نظرا لاختلاف المنطلقات الفكرية. فالنخبة السياسية الممخزنة تنطلق من مصلحتها الآنية، ومن مرضها بالتطلع كتعبير عن انتهازيتها في الوقت الذي