كانت المهمة الأساسية للسيد نجاح الثابت هي تشويه سمعة غالب العماد من رؤساء العائلة المنافسة، وقد انزلق نجاح في مهمته إلى هوة سحيقة، إذ كان عندما يلتقي مع بعض المواطنين في بلده ممن هم بعيدين عن السيد غالب يهمس لهم:
_ هل سمعتم آخر الأخبار؟
وما أن يستفسر المستمع عمّا يحمله نجاح من سر حتى يتغنج قائلاً:
_ لا.. لا أسمع من غيري.
وهذا مما يثير الفضول لدى سامعيه لمعرفة السر، وبعد إلحاح شديد يمسك السيد نجاح ثوبه من ناحية الصدر بواسطة إبهامه وينفضه قائلاً:
_ مش على ذمتي.
ثم يردف وهو يتنهد:
_ يقال.. والله أعلم.. إن زوجة غالب العماد تبيع نفسها.
وينتقل الخبر من شخص لآخر لتغدوا النملة فيلاً، ويضاف على الطبخة الكثير من البهار، ومع انتقال الشائعة من شخص إلى آخر تصبح هذه الطبخة (مشلفطة؟!)، والحقيقة أنه ليست هناك نملة ولا طبخة، وإنما قصّة من بنات خيال مريض.
وكم كان نجاح مسرورًا عندما جاء ابنه رايق ليعلمه عزمه على الخطوبة، شعّت الابتسامة في وجهه الذي تورد:
_ ومن هي سعيدة الحظ يا حبيبي؟
_ إنها منيرة... ابنة غالب العماد.
استل لون الأب عند سماع الإسم، وراح يبحلق في ولده وهو يتساءل في دهشة:
_ ماذا قلت؟!
_ منيرة، ابنة عمي غالب.
_ عماك عمى، مين عمك غالب هذا؟
_ فيما الغرابة يا أبي؟
_ إن نجوم السماء أقرب لك من ذلك.
_ ولماذا؟!
_ وهل انقرضت البنات؟
_ ومالها؟ إنها فتاة رائعة ولهذا اخترتها.
حاول السيد نجاح ثني ابنه عن قراره ولكن عبثًا، وتجندت أم رايق إلى جانب ابنها.
_ حرام عليك، الخلافات السياسية يجب أن لا تكون عقبة في سبيل سعادة الأولاد، ثم إنك لا تستطيع أن تثني الولد عن قراره، فقد ذهبت الأيام التي كان فيها الأهل يختارون لأبنائهم.
_ مستحيل.
_ حطط عن بغلتك.. البنت ما شاء الله عليها، منظر ومحضر، سبحان اللي خلقها، واضحك في عبك إذا اغدرنا انطولها.
_ يمكن اتكون البنت ممتازة ولكن إحنا في خلاف معهم.
_ إنت في خلاف لأنك حامل السلم بالعرض لصالح قرايبك وهم ما بتطّلعوا عليك غير لمن بدهم إشي منك، بعدين الشغلة تافهة وزيتنا في طحينا.
وأخذت تُعدد له حالات النسب المتبادلة بين العائلتين ممن تعرف من السالفين حتى وصلت إلى الحاضر.
ووجد السيد نجاح نفسه أمام منطق زوجته محرجًا.. فلم يجد سوى أن يصرخ في وجهها قائلاً:
_ إخرسي.. بس عاد..
_ لا يا شيخ.. طيب الولد بدو البنت، وانت ورجينا شطارتك شوبتقدر تعمل، "كان من البداية فلسفتك بلاها أحسن ما تتحمل أذاها".
_ كلّه منك.
_ إحنا مش لازم انكونإسلقيه لهذا وهذاك، الزعيم لمن وصل للكرسي أول مرّة حط شريك للمقاول من طرفه عشان يلهط، وفي فترة قصيرة عمل صفقات مع المقاولين من تحت الطاولة وصار مليونير واحنا اشو استفدنا؟؟
تأفف السيد نجاح وصمت طويلاً ووجد نفسه منصاعًا لواقع لم يحلم به في الكوابيس. لملم خيبته وراح يحدث نفسه ويقول:
_ غلب وستيرة ولا غلب وفضيحة، شو قالت المرة "كان من البداية فلسفتك بلاها أحسن ما تتحمل أذاها".. والله هاي المرّة بتحكي صحيح، شاطرة، من وين بتعرف كل هالمعلومات، والله القدر بسوقنا لواقع لا حول لنا ولا قوّة فيه.
وراح السيد نجاح يهز رأسه وهو يردف لنفسه:
_ ولكن في أي وجه بدي أقابل غالب وأقوله يشرفنا أن نتقرب منكم وشو بدهم يقولوا الناس بعد ما كنت أطعن في عرضه، ثم نفخ غيظه وهو يتأفف:
_ أففففففففف، كيف بدها تقوى إجري على المشي؟ يا هل ترى، هل وصلهم ما كنت أشيعه عنهم؟ خاصة وأن لساني اللعين قد لفّ البلد كلّها، لعن الله هذا اللسان الذي لم يدرِ ما يخفه القدر.
وشعر من شدة حزنه أن عينيه قد التهبتا من شدة الحرارة!! تأفف مجددًا ثم استمر في حواره مع نفسه:
_ الحقيقة هي أم رايق قالت لي ففتي.. ففتي، وبتحكي في الإنجليزي كمان!! وحافظة بيت شعر كل الوقت كانت تقوله:
أحبب حبيبك هونًا ما.... وابغض عدوك هونًا ما.
_ والله هاي شاطرة زي أبوها.. والله الواحد لازم يسمع للنسوان.. الاستشارة واجبة.. شو معناها شريكة الحياة.. المشكلة إذا قلت لها الحق معك خايف تشمخ مناخيرها.. ما بتعود تلقاها.. شو يعني نِركَب راسنا ونتبهدل؟
وبعد أيام دعا أبو رايق كبار السن من العائلة لمرافقته لبيت السيد غالب العماد، وهناك أثنى شيخ العائلة على العريس وقال:
_ إن رايق إسمه رايق وهو رايق فعلاً، ثم إن أموره ماشية من كل النواحي، عمارة وسيارة والحمد لله على هذه النعمة.
وكان لا بدّ من أن يتحدث السيد نجاح فكال المديح للأسرة، وقال بصوت مرتجف:
_ إلنا.. الشرف.. نتقدم.. ونتقرب.. من.. أسرتكم.. الكريمة.
أدرك أحد الشيوخ سر ارتجاف لسان والد رايق فحاول التدخل ولكن والد الفتاة قاطعه قائلاً:
_ يعني أسة بطلنا نكون فاعلين تاركين. على كل حال، أسة ما بدنا نعطيكم جواب، خلينا نتشاور، انفكر وبعدين بنشوف.