كأن إيقاع قرع الطبول الجماعي المرفق بصوت الصفائح النحاسية الذي تتتبعه أصوات الزمامير هذه الموسيقى المستمدة من أعماق التاريخ 6000 قبل الميلاد، كان هذا الإيقاع المتناغم في حبكته الفنية العريقة يفرض إجلالًا على الموقف، كانت هذه الموسيقى التي نفذتها الفرق الكشافية لفلذات أكبادنا الذين تصدروا مسيرة الربيع ترسل النشوة في الروح.. تخترق الكيان تشعرنا بالكبرياء.. بإباء السنديان.
ووثبت من عيوني دموع الفرح.. لم تستطع فرامل إرادتي أن تسجن هذه الدموع.. وسار الجموع.. تدفق أهل البلد.. كانت النسوة إلى جانب الشيخ والولد، لقد غمر السكان الشارع اللولبي الممتد من حي "زحلق" حتى أواسط شارع " منظر الكرمل" ليشكلوا نهرًا بشريا.. منظر مهيب.. أهلنا معًا.. إن الخلان.. الأصحاب والجيران، جنب إلى جانب، يترفعون عن صغائر الأمور.. وارتسمت البسمات على وجوه الجميع والبِشر يبث البِشر..
كان المسار يشهد على التاريخ.. من هنا مروا أهلنا.. كان الأجداد يمرون في سبيلهم لكسب رزق بعرق الجبين.. وكان واحدهم لا يمل ولا يلين.. وتذكرت الصوت الصافي لعملاق الغناء العربي وهو يغني: بلدي.. ..ي.. ي .. آه يا بلدي بلدي.... بلدي.. يا قصة الجداول.. يا لون الفرح.. يا ملعب عصافير.. يا حكاية نواطير... يا بلدي.. بلدي .. يا ذهب السنابل وكروم الذهب.. يا ملفى الجوانح.. يا مواسم الإلفه.. يا بلدي.. معمّره بقلوب مليانه.. ومزيّنه بزهور وغناني.. ودروبها حكايات.. وسطوحها مرايات.. والمجد معمّرها.. بالعز مزنّرها.. عليانه.. عليانه.. عليانه عَ الريح.
كانت كلمات هذه الأغنية التي طرقت جمجمتي تعبر عن أجواء المسيرة بكل أبعادها" يا مواسم الإلفة" إن أهم ما يمكن للمسيرة أن ترسله - عملية التواصل -بين الأهل جميعًا، فنحن نفتقد في هذا الزمن إلى الوقت الذي يقف حاجزًا أمامنا لمواصلة حياتنا الاجتماعية بشكل طبيعي، بروح براءة الماضي بدلاً من هذا البعد وهذا الجفاء المفروض علينا أحيانًا كثيرة بحكم الظروف والذي يبعدنا عن بعضنا البعض وقد قيل " بعيد عن العين بعيد عن القلب" لذلك من الواجب استغلال هذه مناسبة من أجل استمرار تواصلنا مع بعضنا البعض" كي نحافظ على قيمنا الحميدة وعلى إنسانيتنا، ونحن نعلم بان كل النظريات علم النفس تقول ان الإنسان كائن اجتماعي وقد قيل أيضا " الجنة بدون ناس ما بتنداس".. في مثل هذه المناسبة يمكن أن نتقرب من بعضنا وبالتالي نتسامح مع بعضنا فيما إذا أخطاء واحدنا بحق الأخر.. و " اللي بدو حقوا كامل = هامل"
لقد أنعم الله علينا بجبل جماله ثر وروعته آسرة.. يصطبغ بظلال وألوان ساحرة.. وصعد من عقلي "ألا واعي" قول أمير الشعراء أحمد شوقي :- "قف بنا يا ساري* حتى اريك جمال بديع الباري".
صعد قول شاعر التفاؤل إيليا أبو ماضي:- "روض إذا زرتهُ كئيبا * نفّس عن قلبك الكروبا"
إن هذا الجبل هو بمثابة الشرفة التي تطل على الشمال.. وجمال فوق الجمال.. جمال فوق الخيال والاحتمال، والمناخ مرفق بقطر الندى" والهوى الشمالي غير ألوانا" يطل جبلنا على المتوسط الذي حاول منذ القدم أن ينال منه، ولكنه عاد فاشلًا.. ارتدت أمواجه إلى الخلف وهي ستحاول وتحاول وتحاول ولكنها ستتكسر مجددًا عند أقدامه.. ويطل على سهل أبن عامر.. على الزرع.. نشاهد ألوانه الزاهية المتعددة.. القسائم مستطيلة والمحاذية "لنهرالمقطع" تزدان بالألوان المختلفة منها البنية ومنها الخضراء وأخرى ذهبية.. يطل على الشمال شرقًا لنشاهد جبل الطابور وجواره، نرفع جباهنا، نمعن النظر إلى الشمالً عميقًا.. قف بنا يا ساري.. قشعريرة سيطرت على مسامي.. أننا نرى شموخ جبل حرمون، وقد توج بلون الطهر.. يا لهذا الجمال الآخذ، إن إحساس الإنسان بالجمال هو المصدر الأول لسعادته الحقيقية.. إن من لا يثيره المنظر الجميل.. إن من لا ينبهر.. من لا يستطيع أن يصل حد التوحد مع الطبيعة، من لا يستطيع أن يصل حد السحر، لا يستطيع أن يشعر بالسعادة، والطبيعة هي مصدر الإبداع أيضا، وها هو "اينشتاين" يستلهم النظرية النسبية ويقول: "انظر بعمق إلى الطبيعة وبعد ذلك سوف تفهم كل شيء أفضل"
المسيرة لها فوائد غزيرة، فالمشي هو ترياق طبيعي شامل، يخفف ضغط الدم ويخفف مستوى السكر فيه ويحرق الدهون، يفعل نبض القلب بانتظام، ويزيل الإجهاد النفسي ويقوي العظام.. يساعد على التركيز ويحسن جهاز المناعة ويخفف الألأم.. وبالتالي يزيد الإنسان حيوية ويحفظ نضارة الشباب.
نحن وان كنا نريد أن نعيش نيسان وألوانه، نريد أن نعيش أيضا مع سنابل القمح ولونها الذهبية.. نريد أن نعيش مع شجرة "نعيمة" لنتجدد ونواصل الحياة ونغني كلمات "ميخائيل؟ مع صوت فيروز الملائكي "تناثري.. تناثري يا بهجة النظري" ونريد أن نعيش دفء المطر.