تستعمل اللغة العربية عدة ألفاظ للتعبير عن الختان مثل الخفض والخفاض والإعذار وفي العامية يقال عادة طهور، تطهير. هناك بعض الإشارات التي تدل على أن المصريين القدماء في حقبة تاريخية معينة قد مارسوا ختان البنات. أما لدى اليهود فلا ذكر في الكتب المفدسة لمثل هذا الختان ويبدو أن التكفير على ذلك ينعكس في طول المدة التي تكون فيها الوالدة نجسة بعد الإنجاب لأنثى (سفر اللاويين، الفصل ٢١). وليس من غير الممكن، على كل حال، أن يكون بعض اليهود في فترة تاريخية معينة قد مارسوا ختان البنت كما فعل جيرانهم مثلا في ألمانيا حتى بداية القرن الحادي عشر ولدى اليهوديات الفلاشا، من الحبشة، حتى يومنا هذا. ختان البنات واسع الانتشار في إفريقيا، حول الصحراء الكبرى، وفي الحبشة والصومال، أما في الدول العربية فهو موجود في كل من جمهورية مصر العربية والسودان والمملكة العربية السعودية واليمن والعراق والأردن، وإلى حدّ ما، في الجمهورية العربية السورية.
تجربة السعداوي
وقد كتبت الدكتورة المصرية المعروفة، نوال السعداوي، عن هذا الموضوع تقول: "كنت في السادسة من عمري. نائمة في سريري الدافىء وأحلم أحلام الطفولة الوردية حينما أحسست بتلك اليد الباردة الخشنة الكبيرة ذات الأظافر القذرة السوداء، تمتد وتمسكني، ويد أخرى مشابهة لليد السابقة خشنة وكبيرة تسد فمي وتطبق عليه بكل قوة لتمنعني من الصراخ. وحملوني إلى الحمام. لا أدري كم كان عددهم، ولا أذكر ماذا كان شكل وجوههم. وما إذا كانوا رجالا أم نساء. فقد أصبحت الدنيا أمام عيني مغلفة بضباب أسود ولعلهم وضعوا فوق عيني غطاء. كل ما أدركته في ذلك الوقت تلك القبضة الحديدية التي أمسكت رأسي وذراعي وساقي حتى أصبحت عاجزة عن المقاومة أو الحركة. وملمس بلاط الحمام البارد تحت جسدي العاري، وأصوات مجهولة وهمهمات يتخللها صوت اصطكاك شيء معدني ذكرني باصطكاك سكين الجزار حين كان يسنه أمامنا قبل ذبح خروف العيد. وتجمّد الدم في عروقي. ظننت أن عددا من اللصوص سرقوني من سريري ويتأهبون لذبحي، وكنت أسمع كثيرا من هذه القصص من جدتي الريفية العجوز. وأرهفت أذني لصوت الاصطكاك المعدني. وما أن توقف حتى توقف قلبي بين ضلوعي. وأحسست وأنا مكتومة الأنفاس ومغلقة العينين أن ذلك الشيء يقترب مني. لا يقترب من عنقي، وإنما يقترب من بطني، من مكان بين فخذي .. وأدركت في تلك اللحظة أن فخذيّ قد فُتحتا عن آخرهما، وأن كل فخذ قد شدّت بعيداً عن الأخرى بأصابع حديدية لا تلين. وكأنما السكين أو الموس الحاد يسقط على عنقي بالضبط، أحسست بالشيء المعدني يسقط بحدّة وقوة ويقطع من بين فخذي جزءاً من جسدي. صرخت من الألم رغم الكمّامة فوق فمي. فالألم لم يكن ألماً، وإنما هي نار سرت في جسدي كله، وبركة حمراء من دمي تحوطني فوق بلاط الحمام. لم أعرف ما الذي قطعوه مني، ولم أحاول أن أسأل. كنت أبكي وأنادي على أمي لتنقذني. وكم كانت صدمتي حين وجدتها هي بلحمها ودمها واقفة مع هؤلاء الغرباء تتحدث معهم وتبتسم لهم وكأنما لم يذبحوا ابنتها منذ لحظات. وحملوني إلى السرير. ورأيتهم يمسكون أختي التي كانت تصغرني بعامين بالطريقة نفسها، فصرخت وأنا أقول لهم: لا، لا، ورأيت وجه أختي من بين أيديهم الخشنة الكبيرة، كان شاحباً أبيض كوجوه الموتى، والتقت عيني بعينيها في لحظة سريعة قبل أن يأخذوها إلى الحمام، وكأنما أدركنا معاً في تلك اللحظة المأساة، مأساة أننا خلقنا من ذلك الجنس، جنس الإناث، الذي يحدد مصيرنا البائس، ويسوقنا بيد حديدية باردة إلى حيث يستأصل من جسدنا بعض الأجزاء" (قارن ما جاء في: رواية أليف شافاك، شرف، ترجمة د. محمد درويش، بيروت: دار الآداب، ط. ١، ٢٠١٣، ص. ٥٥-٦٣).
الختان في الإسلام
مما يجدر ذكره أن "الختان" بالنسبة للذكور في الإسلام هو عبارة عن عرف وليس بفريضة قرآنية، وهو عادة ما يجري في طقوس متنوعة ما بين السن الخامسة والثامنة، في حين أن ختان الإناث ليس عرفا إسلاميا بل بمثابة تقليد محلي يقبله الإسلام إلا أنه لا يشجعه. وهناك في الواقع ثلاثة أنواع من الختان الأنثوي أو قطع البظر والبظر عند الأنثى يشبه القضيب عند الذكر: ١) الاستئصال الدائري للغلفة البظرية وهو النمط الأخفّ، إذا ما تخطّت المرأة الصدمة النفسية، فلا عائق في سبيل التمتع الجنسي. وهذا النموذج من الختان شبيه بطهور الذكر ويسمّى الختان "السنّي" وهو معمول به في المدن في صفوف الطبقات "المستنيرة" نسبيا. ٢) الختان القطعي وهو عبارة عن استئصال الغدّة البظرية، أو في بعض الأحيان، حتى البظر بأكمله. ويذكر أن هذا الختان معمول فيه بشكل خاصّ في مصر، وفي أماكن أخرى يتمّ استئصال ما يلاصق الشفتين الصغيرتين أيضا أو حتى استئصالهما كلية. ٣) التخييط أو التشبيك أو الختان الفرعوني وهذا يشمل بالإضافة إلى استئصال البظر والشفتين الصغيرتين قسماً كبيرا من الشفتين الكبيرتين، وفي النهاية يخاط جزءا الفرج. هذا معناه، الإبقاء على فتحة فرجية صغيرة فقط، لتسرب البول ودم الطمث وفي غضون اندمال الجراح البيولوجية توضع قطعة خشبية للمحافظة على تلك الفتحة. وفي ليلة الدخلة تجرى عملية بسيطة لتوسيع هذه الفتحة، وفي حالة الإنجاب ينزع التخييط ثم يعاد من جديد بعد الولادة وهلمجرا. وهذا النوع من الختان يسمى بالتكميم أو الرتق أو غلق الفرج (infibulation) ومعمرل به في السودان خاصة ولذلك يطلق عليه المصريون اسم "الطهارة السودانية" في حين ان السودانيون يسمونه "الطهارة الفرعونية" أو "الخفاض الفرعوني" وهو موجود في إفريقيا المدارية وفي إيريتريا والصومال. كما أن روما القديمة مارسته لمنع مزاولة الجنس بين العبيد.
النتائج السلبية
وتشير الأبحاث الطبية الحديثة إلى أن هذا النوع الثالث، كثيرا ما يؤدي إلى عواقب وخيمة حقا، إذ أن تضييق الفتحة الفرجية قد يؤدي إلى العقم وإلى إصابات تناسلية أو بولية بل وسرطانات فرجية، ناهيك عن الصدمة النفسية الهائلة التي تنزل على البنت مسببة لها خوفا وهلعا لا حدود لهما، كما جاء في وصف السعداوي المؤثر أعلاه. أضف إلى كل ذلك، وهنا الطامة الكبرى بالنسبة للمختونة، برود جنسي كامل. ليس من العسير على المرء أن يخمّن ما وراء مثل هذه الأنماط الختانية من تبريرات، إذ أنها تتمحور في موضوع احترام العرف ودرء فسق البنت. وفي حالات معينة، كما في إثيوبيا، فالختان يُجرى لكي تجد الفتاة عريسا لها. وفي الكثير من البيئات الريفية في الدول العربية لا بدّ من إجراء هذا الختان أو ذاك لكل بنت حوّاء. وفي مصر، وبالرغم من وجود قانون منذ العام ٩٥٩١، يحرم هذا الختان إلا أن الواقع غير ذلك فالختان مطبق بشكل واسع وقلّما يحظى هذا الموضوع بالحديث أو النقاش العلني في أوساط النساء. وعادة ما يتمّ هذا الختان من قبل قابلة القرية والتخدير الجزئي بدلا من تلك "السيدة المسنة" في الماضي. ويبدو أن المثقفات في القاهرة قد أقلعن عن ختن بناتهن منذ بعض العقود. حبّذا لو عمل الناس، رجالا ونساء، على ختان الشرّ والتملق والنميمة والطمع و... من قلوبهم وصدورهم ورؤوسهم!
السكري، عبد السلام عبد الرحيم، ختان الذكر وخفاض الأنثى من منظور إسلامي. القاهرة، ١٩٨٨. http://www.elrayyesbooks.com/ http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=208 http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=209
http://www.daralawael.com/book.php?bid=158