العنف ضد المرأة هو حدث يومي وساعي لا يمكن حصره، وله أشكال عديدة ومتنوعة تبدأ من النظرة الوقحة، إلى الكلام البذيء، إلى التحرش الجسدي في الشارع أو الحافلة أو مكان العمل. وفي المنزل تتعرض المرأة إلى عنف يبدأ من التمييز بينها وبين أخيها في المعاملة بحجة أن المجتمع هو من يفعل ذلك.. إلى الضغط عليها لتكون مجرد امرأة مصيرها المحتوم هو الزواج وإنجاب الأطفال والجلوس في المطبخ. وهذا العنف يمارس أحيانا بقصد، وأحيانا بغير قصد مثل تسفيه قيمة الدراسة وقيمة ا لعمل بالنسبة للمرأة، ودفعها بقوة إلى الزواج الذي يأخذ أيضا أشكالا متعددة، منها الترغيب عن طريق دغدغة المشاعر أو عن طريق الإغراء المادي أو الطمع بالاستقلال المعيشي.. وأحيانا يأخذ أشكالا عنيفة عندما تجبر المرأة على الزواج من شخص لا تحبه أو يكبرها سنا، أولا يناسبها ثقافيا واجتماعيا. وقد يتصاعد العنف لدرجة القتل إذا أصرت على عدم الزواج بمن اختير لها أو إذا تزوجت من شخص لا يوافق عليه ولي أمرها أو الزواج من شخص لا يماثلها في الدين أو الطائفة أو العشيرة. وقد تفرض على المرأة أيضا أشكال أخرى من العنف مثل ممارسة مهنة التسول أو الدعارة. أما المرأة المتزوجة من رجل طبيعي وتعيش حياة طبيعية من المفترض أنها تعيش حياة أقل عنفا ً، وليست خالية من العنف.. حين تفرض عليها في كثير من الحالات أعباء البيت الجسدية مع أعباء العمل (من تحرش رب العمل إلى التحرش في وسائل المواصلات والشارع) وأعباء رعاية الأطفال حتى وأن كانت متزوجة من رجل مثقف يؤمن بالمساواة وبحقوق المرأة، وهي بذلك لا تكون قد سلمت من العنف أيضا. فما هي أسباب هذا العنف؟ 1- السبب البيولوجي الذي يقول أن القوي جسديا يتفوق على الضعيف جسديا وبما أن الرجل أقوى جسديا من المرأة وهذا موروث قديم من زمن العصر الحجري لذلك فهو مازال يحاول أن يسيطر على المرأة ويمارس هذا العنف ضدها ليثبت رجولته التي مازال يعتقد أنها موجودة في عضلاته أو في صوته العالي كما كان الحال في الغابة أو المغاور. 2- السبب الغريزي: غريزة العنف التي تجعلنا ندافع عن أنفسنا تجعل الرجل يعتقد أنه يجب أن يحمي نفسه من المرأة فيستبق الأحداث ويبادرها بالعنف (وهذا المعتقد أيضا سببه سوء التربية والتخلف والجهل). 3- السبب الجنسي: وهو سبب غريزي فقد غرست هذه الغريزة في الكائنات الحية من أجل توجيه المخلوق إلى بلوغ غايات مفيدة له من حيث المحافظة على البقاء أو بقاء النوع، وهي غريزة طبيعية ولكن الخوف منها في أنها قوة دافعة تنتج فعلا في غياب أي فكرة عما يمكن أن تكون عليه نتائج هذا الفعل إذا لم تستعمل بطريقة منظمة ومقنونة. فإذا تصرف الرجل بهذه الغريزة دون العقل وجعلها توجه خطواته كما كان الحال في العصر الحجري حين كان الرجل يطارد المرأة ويغتصبها إذا شعر بهذه الرغبة دون أن يفكر في أي ظرف آخر فيكون الرجل بذلك لم يبتعد عن العصر الحجري كثيرا.. وهذا يحصل للأسف عند من يغتصبون أقربائهم أو غيرهم أو زوجاتهم بأحسن الظروف. وليس معنى ذلك أن المرأة لا تشعر بهذه الرغبة ولكن في كثير من الأحيان تهرب منها لظروف عديدة (الدورة الشهرية، الحمل، الإرضاع، الخوف من الألم، الوازع الديني) والجهل والتخلف لا يعترفان بهذه الظروف. وللأسف نجد الكثير من الرجال في هذا القرن يتصرفون كرجل الغابات! 4- السبب النفسي: يحصل العنف أحيانا بسبب بعض الأمراض النفسية: - كالذهان الذي يجعل المرء غير قادر على أن يضبط سلوكه أو يتكيف مع شروط المجتمع. وهنا يسقط دور الأنا في ضبط السلوك والتكييف مع الواقع. - الوهن العصابي الناتج عن ضغط الحضارة الحديثة ومضايقاتها التي أحد أشكالها هو ثورة الغضب والتهجم على الواقع أو من يمثلون الواقع بالنسبة للشخص زوج أو زوجة أو أطفال. - السلوك اللاإجتماعي حين يقوم الشخص بسلوك عدواني يوجه إلى الأفراد في حياتهم أو ممتلكاتهم أو مؤسساتهم وضد قواعد المجتمع كالقتل والدعارة والسرقة. - الإجرام وهو كل فعل يحرمه القانون ويعاقب عليه. 5- السبب النفسي الجنسي: الانحراف الجنسي كالعصاب والسادية، والتلذذ بالملاوصة والعرض، أو الجنسية المثلية أو التلذذ بالكبار أو الصغار، أو التلذذ بالاغتصاب. وكلها أمراض تؤدي إلى القتل في بعض الأحيان إذا تمنع الطرف الأخر عن الاستجابة. والسبب الخامس والرابع لايأخذ شريحة كبيرة من المجتمع وتبقى حالات العنف الممارسة فيهما محدودة نوعا ما بالنسبة لباقي الأسباب الأخرى. 6- السبب الاجتماعي: وينطلق من مسببات عديدة كضعف النضج الاجتماعي والضعف الأخلاقي، الاستهتار واللامبالاة، الحاجة إلى الحنان والعطف، الموروث الشعبي، الهجرة من الريف إلى المدينة، الحروب، الفقر، الفساد، القمع، الجهل، التعصب، والطائفية. وهذه الأسباب تغذيها السلطة القمعية والاستعمار وتدعمها، وهي تمثل شريحة كبيرة من الناس وتؤثر في شريحة كبيرة من الناس. 7- السبب القانوني: - عدم التطبيق الحقيقي واللازم لبعض القوانين وعدم الاهتمام إن طبقت أم لا. بسبب الاستهتار أو عدم القناعة لدى منفذي القانون، مثل قوانين الحبس التي يجب أن تطبق ضد الأزواج عند اعتدائهم على زوجاتهم مثلا. - كما لا توجد قوانين رادعة ضد الآباء في حال ممارسة العنف من قبلهم على بناتهم كإجبارهم على الزواج أو ضربهم أو منعهم من التعليم وما شابه. - التمييز بين المرأة والرجل في القانون مثل قانون الجنسية الذي يحرم المرأة السورية من حقها في منح الجنسية لأولادها أسوة بالرجل وتعريضها لأشكال من العنف بسبب العذاب الذي تتعرض له نتيجة لذلك الفعل، وكذلك القانون الذي يمنع المرأة السورية من استئجار غرفة في فندق إذا كانت بدون محرم بينما يسمح للمرأة الأجنبية بذلك أو للرجل أو يتغاضى عن ذلك إذا كان الفندق من فئة 5 نجوم، وهذا تمييز فاضح يبتعد عن روح القانون التي تهدف إلى حماية المجتمع من الرذيلة المفترضة. وهنا لا يرى القانون أن المرأة أصبحت تسافر لوحدها بسبب العمل أو العلم أو لمصلحة ما، وابتعدت عن منطق الحارة والمرأة الأمية. - القوانين التي تشجع على القتل مثل المادة 548 التي تخفف الحكم على القاتل في حال فاجأ زوجه أو أخته أو أحد فروعه في جرم الزنا أو في وصلات جنسية فحشاء مع شخص أخر فأقدم على إيذائهما بغير عمد. مما ساعد القتلة على استغلال هذه المادة لقتل من يريدون لأسباب مالية أو جرميه أو انتقامية بسبب تغيير الدين أو الزواج من دين مخالف أو طائفة مختلفة، وهروبهم من العقوبة. كما أن مساعدة القاتل من قبل القانون على الهروب ليست فقط في سن هذا القانون ولكن في تطبيقه بشكل خاطئ ودون تحقيق.. فالمادة تعطي العذر في حال المفاجأة والإيذاء الغير متعمد، ولكن لا تبيح القتل للشبهة أو تبرر احتفاظ القاتل بحقه بالقتل لبعد حين كما يحصل في الواقع بحيث تقتل البنات بعد شهور أو سنين وعن سبق إصرار وترصد..! فما هو الحل إذا لتتخلص المرأة من هذا العنف؟ لا يمكن لمجتمع ما أن يتطور أو يتغير إذا لم يكن فيه نخبة من المثقفين الغيورين على مصالحه، تحاول هذه النخبة أن تنقله نقلة نوعية فتقوم بثورة ثقافية على جميع الأصعدة الإعلامية والقانونية والتربوية عن طريق خطة منظمة مدروسة تحاول فيها تغيير المفاهيم القديمة عن طريق الإعلام وتحاول بناء جيل جديد متطور عن طريق التربية والتعليم الابتدائي وتفرض قوانين جازمة لحماية المجتمع من الإيذاء.. وهذه أمور ثلاثة تبدو بسيطة وسهلة للغاية ممكن أن تغير ا لمجتمع وتنقله إلى مصاف المجتمعات الراقية والمتقدمة خلال عدد محدود من السنين.. ولكن لماذا لا تشجع الجهات المسؤولة على هذا التطوير إذا كان بهذه البساطة؟ هل استعصت هذه الفكرة عليها؟ أم أنها لم تفكر بها أصلا لأن الموضوع لا يهم المسؤولين... أم أن رأي المسؤولين هو مماثل لرأي المعنفين بكسر النون...؟؟ أم أن الجهات المسؤولة لا تكلم بعضها البعض فلذلك تعذر التعاون من أجل بناء المجتمع..؟ أن أنهم ينتظرون أن نعود لمجتمع الغابة بعد أن يفيض الكيل بنا وكل واحد يأخذ حقه بيده والشاطر من يقتل غيره أولاً وفخار يكسر بعضه؟! باقة شكر في النهاية لا يسعنا سوى أن نشكر كل الأفراد والجمعيات الأهلية ووسائل الأعلام، التي تساهم في نشر هذه الآراء التي لا تجد لها آذنا صاغية عند من يتصدون لقيادة المجتمع ورعايته.. باقة شكر وفي الختام نشكر وزارة العدل التي أصبح دورها مقتصرا على تمويت القضايا.. ونشكر وزارة الداخلية على تغاضيها عن الفساد الذي استشرى في كل مكان وفي كل عمل.. ونشكر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي أقتصر دورها على تمويت الجمعيات الأهلية ومنع المحاضرات، والتغاضي عن مستويات الفقر التي أصبح عليها شعبنا والتي تخرج فتيات الدعارة والنشالين وأطفال الشوارع. ونشكر وزارة التربية التي اقتصر دورها على تخريج أولاد الشوارع المتسربين من المدارس الذي بلغ عددهم في عام واحد 33 ألف متسرب تتراوح أعمارهم بين 6-18 عام. ونشكر وزارة التعليم العالي التي أصبح همها تصعيب المنهاج وزيادة المعدلات ومنع الطلاب من دخول الجامعات ليسرحوا على عربات الفول أمام الجامعة بدل أن يكونوا طلابا فيها!
كمالا العتمة، (العنف حدث يومي) خاص: نساء سورية