انّ التعجيل بالتصريح بأننا ماثلون امام "خيار وحيد" قد يكون محاولة من طرفنا للتملص من البحث عن بدائل وفي بعض الاحيان قد يكون فاتحة لارتكاب أمور في غاية الخطورة. البدائل موجودة دائما وعلينا تقصيها او خلقها. هنالك العديد من الناس القابعين في مكانهم والذين تخلّوا عن احلامهم وطموحاتهم بعد ان وصلوا الى استنتاج بأنهم غير قادرين على تغيير واقعهم
ما أسرُعنا في إطلاق هذه العبارة "هذا هو الخيار الوحيد الذي كان امامي..." وعادة نرددها عندما نريد تفسير "فعلة" قمنا بها او تبرير قرارٍ اتخذناه او موقفٍ اعلنا عنه, وعادةً يميلُ سامعونا الى تصديقنا وتفهّمنا ويقومون بمؤازرتنا لأنه لا يمكن لوم انسان امتثل امامه "بديل واحد" او "خيار واحد". عندما نشكو امرنا للآخرين ونشرح لهم ان ضررا ما لحق بنا من شخص ادعى بانه فعل ما فعل لأنه لم يملك خيارا آخر فقلّما يقفون الى جانبنا وتُدهشنا مساندتهم لموقف صاحب "الخيار الوحيد". الانسان الذي يقوم بفعلة ما من منطلق أنه كان ساعتها امام خيار وحيد معفى من الاجابة على الاسئلة والاستفسارات التي عادة تُوجّه الى من يقوموا بالحسم بين بدائل عديده حيث يتهمون احيانا بالتحيّز او بالتسرّع او بالغباء, اما صاحب الخيار الوحيد فيحظى بمعاملة خاصة حتى القضاء يرأف بأمثاله ويخفّف عنهم العقاب, فالشرطي الذي يطلق النار على السارق ويقنع المحكمة بأن اطلاق النار كان الخيار الوحيد وانه لو لم يفعل ذلك إلا دفاعاً عن حياته يحظى بتخفيف كبير في العقوبة الى حدّ البراءة الكاملة.
اذا لِنضرب, لِنسرق, لِنقتل, لِنتلصّص, لِنُحارب, لِنعيثَ في الارض فسادا, فلن ينالنا عقاب او ملامة اذا نجحنا بإثبات بأننا كنا مرغمين على ذلك لا مُخيّرين, وان الاعمال الشنيعة التي قمنا بها كانت الخيار الوحيد الذي وقفنا امامه. ان التستّر وراء ذريعة الخيار الوحيد لا يخص الافراد والجماعات فحسب وانما الدول والحكومات أيضا, فجيش الدفاع الاسرائيلي يقصف الاحياء السكنية في غزة بوحشية منقطعة النظير لأن ذلك بنظره هو الخيار الوحيد لمنع المقاومة الفلسطينية من اطلاق الصواريخ على مدينة "سديروت", والولايات المتحدة وحلفاؤها تحتل العراق وتقتل نصف مليون عراقي لأن ذلك هو البديل الوحيد لإنقاذ العالم من السلاح الكيماوي الفتّاك الذي كان بحوزة نظام صدام حسين.
طبعا هنالك بعض المواقف الحقيقية التي قد نجابه بها خيارا واحدا او بديلا واحدا لكن اغلبها تخص عالم الطوارئ والحالات الخطرة كأن نقفز من الطابق الثالث من مبنى يحترق, او نقفز من على دفة سفينة غارقة او سيارة متدهورة, لكن مثل تلك الحالات تعتبر في غاية الندرة, ونحن نُسارع بالقيام بأفعال "متطرفة" دون التأكّد بأن ذلك حقّاً هو الخيار الوحيد الذي يقف امامنا, فنحن نقوم بإشغال وظيفة ما بالرغم من كونها بعيدة كل البعد عن مواهبنا وطموحاتنا وتطلعاتنا مُدّعين بأنها الوظيفة الوحيدة المتاحة لنا في المنطقة السكنية التي نقطن بها, ونقوم بالزواج ممّن لا نكنُّ له الحبَّ او المودّة او ممّن يبعُد عنا سنة ضوئية في الاطباع والاهواء ولكننا نفعل ذلك بحجة اننا مرغمون ونقنع انفسنا بأنه هذا هو العريس الوحيد الذي تقدم لنا في هذا الجيل المتأخّر.
انّ التعجيل في الاقرار بأننا امام "حل واحد" او "بديل واحد" او "خيار واحد" او "طريق واحد" قد يكون أمرا في غاية الخطورة وقد يقودنا الى استنتاجات وردود فعل عنيفة وحتى الى كوارث. ما لا شكّ به انّ من قاموا بالانتحار على خلفية عاطفية قدّروا بأنّ لا طعم للعيش بدون من احبّوه ومن قاموا بالانتحار على خلفية اقتصادية شعروا بأنه لا مجال لإنقاذهم من الفضيحة وكلام الناس إلا عن طريق القاء انفسهم بالتهلكة, والذي قام بإطلاق النار على زوجته "الخائنة" شعر بأن هذا هو الحل الوحيد لإنقاذ شرفه او سمعته. كلنا نُدرك بأن هنالك بدائل أخرى لمن تركته حبيبته او تدهورت حياته الاقتصادية او خانته زوجته فالدنيا مليئة بالبدائل وكل ما مطلوب منّا هو البحث عنها.
البدائل موجودة دائما وعلينا تقصّيها, وإن أحوج الامر علينا خلقها. ان الاكتفاء ببديل واحد هو قرار انهزامي وهو ميّزة الكسالى والمُحبَطين والضعفاء. اذا اردت ان تقيّم انجازاتك في هذه الحياة, اسأل نفسك دائما عن عدد الخيارات التي تقف امامك فكلّ ما كثُرت كلما كان وضعك احسن وانجازاتك اكبر. ان من يقف امام مفترق طرق يتطلب منه الاختيار بين تعلم المحاماة او الطب او الهندسة لأنه قُبل في جميعها هو افضل بكثير ممن قُبل لموضوع واحد, وكذلك الامر بالنسبة لنواحي الحياة الاخرى كالملبس والمأكل والمسكن, فكلما تعددت الخيارات كلما صلُح حالنا.
ان ايجاد الخيارات والبدائل هو امر يتطلب بعض الجهد والعناء لكنه يتبيّن لاحقا بأنه كان مُجديا وقد ساهم في تحصيلنا وانجازاتنا ووصولنا الى اهدافنا. هنالك العديد من الناس القابعين في مكانهم والذين تخلّوا عن طموحاتهم ظنّاً منهم بأنهم غير قادرين على تغيير واقعهم وان البلد التي يسكنون به والمهنة التي يمارسونها والزوج الذي ارتبطوا به هو الحل الوحيد الماثل امامهم. ان من يكتفي ببديل واحد يندم عادة على ذلك لاحقا, لأنه يتبيّن له بأن هنالك الكثير من الخيارات الاخرى التي تفوق الخيار الذي قام به بدرجات, وكان المفروض به ان ينتبه لوجودها او يسعى لتقصّيها.
حذار علينا الاختباء وراء ذريعة الخيار الوحيد او ان نترك انطباعا لدى من نتعامل معهم بأنهم الخيار الوحيد امامنا لأن ذلك سيُضعفنا ويقلّل من قدرتنا على التفاوض والوصول الى ما نبتغيه.