للعلمانية تيارات غير التيارات الإلحادي المتعارف لدينا، وهي تيارات مؤمنة بالله استطاعت من خلال فلاسفة مثل ـ هوبز ولوك وليبينز وروسو وليسنج، التوفيق ما بينها وبين الأيمان بالله،
إذ أنها ترى أن الله مكتفي بذاته، وعلى الإنسان أن يتدبر إدارة شؤون الأرض بعد أن استخلفه الله عليها ثم انحصرت عنايته بذاته فقط ... وهو ما أقره المنطوق الارسطي الذي اعتبر أن الله خالق لهذا الوجود .. وهو أودع فيه من الأسباب التي تديره بذاتها، دونما حاجة الى تدخل أو رعاية من الخالق (فالحركة توجد في الشيء بذاته ولذاته) و(عناية الله موقوفة على ذاته ولا تدخل له في الإحداث الجزئية في العالم والطبيعة) وهذه الأسباب هي مصدر للمعرفة التي تقبل البرهان والتعليل عن طريق التجربة التي تحتكم الى العقل، وهكذا استطاعت العلمانية أن تفصل الدين عن الأمور الحياتية دون نكران لوجود الله أو خسران لطاقة الأيمان
واذكر هنا الكاتب الأسباني ميجل دى اونامونو اذ يقول " كنت أتحدث ذات يوم الى احد الفلاحين واقترحت علية وجود اله يحكم في الأرض وفي السماء، كما افترضت علية أيضا عدم وجود عالم أخر، وانه لن يكون بعث ولا نشور بالمعنى التقليدي المعروف، فأجابني الفلاح قائلا : وما فأدت وجود الله إذا ؟ .. !"
بالفعل ما فائدة اله لا علاقة له بما خلق؟ أن بناء العقيد ضمن فضاءات العقل والتجربة وحدهما هو فكر معاق يتصدع مع زلزلت الأفكار الغيبية وتساؤلات مستمرة وهي تحتجز ألذات الإنسانية في ركنا مظلم قلق يمتد من أول العمر الى نهاية اليأس أو الأيمان،وكما نعلم أن الدين هو علاقة الإنسان بالله وهي علاقة مطلقة مع الغيب لهذا فهي بحاجة الى الوحي الذي كان وما زال عن طريق الكتب السماوية موضوع جدل وحيرة العقل الذي رفض أن يكون تابعا للنص ومقيدا به بعد أن حرك الزمن مفهومة ذلك النص وحوله الى نصوص متعددة بأنفلاقات تتابعيه مع الزمن، وهذا ما ترك المجال مفتوح لاجتهاد الإنسان بإيجاد طريقة مناسبة للتشريع لما يبني المصالح المتبادلة والمشتركة في علاقة الإنسان بأخيه وهي علاقة نسبية يحددها ويعمل على خلقها العقل وهنا يتوقف التطابق وخصوصا في مجالات العلوم الإنسانية الحديثة التي تأسست بعد توسع المعارف وتفرعها وقد كانت في ما مضى تغازل الدين لترسخ وجودها والدين بدوره يتزاوج معها في فلسفة (كلاميا)، حيث كانت آليات أنتاج الفكر تتطابق مع العمل السياسي الى حد البراجماتية الفكرية ام اليوم بعد أن انقرضت فكرة رجل الموسوعة وانعزلت بنفس الوقت منابع العلوم الإنسانية عن زيت العلوم الميتافيزيقية وأوجدت برزخ وسطي يحاول ألا يقطع ما بين التقليد والتجديد وهذا ما تتعثر به مذهبية العولمة اليوم ، وهذا ما يدعو البعض لأن يعتبر العولمة هي فكر موجود داخل الإسلام الذي ينفرد بخطاب تفاعلي مع هذه النظم الإنسانية الحديثة بعد أن نزل نص متسلسل مع تفاعلات الأحداث (بغض النظر عن إشكالية قدم أو خلق القران) حتى استمر لما بعد اكتمل الرسالة المحمدية جاسم الصافي