كما في عام 2008 عندما تفجرت أزمة الغذاء، كذلك مع التقرير الأخير لمنظمة "الفاو" عن الارتفاع المقلق لأسعار المواد الغذائية، يتضح أن اقتراحات الحلول كثيرة نظريّاً لكن التطبيق لا يزال متخلفاً. لذا يختصر الخبراء الإجابة عن الأسئلة الكثيرة بالقول: لا حلول، خصوصاً لأن المشكلة ماثلة منذ أعوام طويلة، وعندما أشعلت الشوارع في المكسيك وبنغلادش وإندونيسيا وغيرها وبوشر البحث عن معالجات كانت التعقيدات زادت، ولا تزال تتفاقم.
يفهم من التحليلات أن الطعام بات أقل مما يتطلبه البشر الذين حطموا رقماً قياسيّاً، إذ بات تعدادهم يفوق السبعة مليارات إنسان. صحيح أنها زيادة طبيعية ومتوقعة إلا أن جديدها "المفاجئ" هو أن عدد الآكلين ارتفع في العقد الأخير، ومنهم نسبة مهمة من الذين يعيشون فوق مستوى الشبع، في حين أن عدد الجائعين واصل ارتفاعه الاعتيادي، ومنهم نسبة مهمة من المكتفين سابقاً الذين باتوا يعيشون تحت مستوى الاكتفاء، أي عند حافة الجوع.
وكما في 2008، كذلك يقال الآن إن أحد أهم أسباب الأزمة أن عدداً أكبر من المليارين ونيف من الهنود والصينيين أصبحوا يأكلون أكثر، مع تنامي الفئة الوسطى وما فوق بفعل ازدهار الاقتصادين والتجارتين. والمشكلة (!) أنهم يستهلكون كميات متزايدة من اللحوم والدجاج، أمام استمرار الأميركيين والأوروبيين على المستوى ذاته من الاستهلاك فليس من شأنه أن يتسبب بأي مشكلة، فهكذا، كانوا وهكذا يريدون أن يبقوا، أي أن الآخرين "أخطأوا" حين قرروا عدم قصر نظامهم الغذائي على قصعة رز أو اثنتين في اليوم. ويجب ألا ننسى أن الروس وبعض نمور آسيا فتحوا بطونهم أيضاً، ولم يعودوا يبالون بنصائح الأكل الخفيف للعافية المستقرة.
لا أحد يريد أن يأكل أقل، إذن، فلا حلول للأزمة. لكن أسبابها تضرب أكثر في عمق شبكة واسعة من الأزمات، وأولها المالية التي بلبلت حياة الناس حول العالم، أغنياؤهم وفقراؤهم، أما ثانيها ففتش عن تقلبات المناخ التي جعلت الفيضانات والجفاف تتعايش خلال سنة واحدة في بعض البلدان، فإما حريق وإما غريق على غرار ما شهد الأستراليون، أو كما عرفت روسيا وأوكرانيا للمرة الأولى منذ أزمان، ما اضطرهما لمنع تصدير القمح، ناهيك عن هايتي المعدمة في تنقلها بين زلازل وأعاصير. لم يسبق للزراعات أن مرت بمثل هذه الاضطرابات، كانت اعتادت على فظاظة الإنسان الذي يخصِّب البذور لتنتج أكثر من طاقتها فيربح أكثر، أما فظاظة الطبيعة واستبدادها فهذا جديد عليها. لكن هناك أيضاً الطاقة والطاقة البديلة، فكلتاهما تصب مزيداً من الزيت على نار أزمة الغذاء، إذ أن ارتفاع أسعار البترول يعني أن تكلفة نقل القمح أو الذرة أو السكر ستزداد، وهكذا. أما "البيوفيول" فيفترض أنه طاقة جديدة تحل مشكلة "التبعية للبترول"، لكنها تنتج مشكلة أخرى لأنها باتت أحد مستهلكي المنتجات الزراعية المفترض أن تستخدم غذاء، وإذا كان الخيار بين بذل العناء للوصول إلى الأفواه وإطعامها وبين معامل الطاقة الجديدة فإن المزارعين يستسهلون ويفضلون المستهلك الآلي، فالربح معه وفير ومضمون.
لكن المؤكد أن أحد أهم أسباب هذه الأزمة قصر نظر القيمين على التخطيط، والمفاهيم الجامدة لثقافات الاستهلاك والجشع التي باتت مكشوفة الآن بعدما أصبح واضحاً أن تخمة شعوب قائمة على مجاعة شعوب أخرى، وأي خلل في هذه المعادلة يعني أن الجوعى بدأوا يتمردون. لكن، بلى، هناك حلول، فالطاقات الزراعية في إفريقيا وبعض آسيا تنتج أقل بكثير من قدرتها الفعلية، والطاقة الشمسية قد تكلف أقل من "البيوفيول" في حال تطوير تخزينها وتعميمه، وهذه مجرد أمثلة مما يمكن أن يقترحه الاختصاصيون. ولاشك أن غذاء أكثر تكلفة وندرة ينذر باضطرابات اجتماعية. هنا، أيضاً، لا حل إلا بالقمع الأمني على نحو ما يحدث الآن في تونس والجزائر.
بقلم: عبدالوهاب بدرخان